الأحد، 26 فبراير 2012

عريـــس السمـــاء حمــــد ...




شق صمت الليل البهيم في صرخاته الأولى 
معلناً عن وصول ابن السماء لبنو البشر ...
وصل صغيراً جميلا ذو شعر كثيف وعينان سوداوان 
وشفتين هما الأصغر في العالم وابتسامة خلابة ..  
تمرغ في أحضان والدتي عاما وتنازلت عنه لي التسعة عشر عاماً التالية .. 
ملأ حضني هذا القادم الجديد بالدفء وأنا لم أبلغ سن المراهقة بعد ..

 كانت الثانية عشر كافية أن تخلق مني أمـّاً .. 
وكان هو بوابتي لعالم الاحتضان وبلورة شخصيتي 
من فتاة في الثانية عشر
 لأم تربي أخوتها .. 
نشأ حمد في حضني وتحت صوتي في خضم قراراتي
 وقوانيني في البيت
 مدعمة بسلطة من والدي رحمه الله 
ولم أرى منه طوال حياتي سوى حاضر وإن اعترض جل ما يقوله إن شاء الله .. 
لا أتذكر أنني مددت يدي عليه سوى مرة واحدة
 وكان حشر مع الناس عيد حتى في التبويخ .. فناله ما نالهم .. 
كبر حمد وكبرت معه أحلامه وطموحاته ولازال حمد تلفه أخلاق الفرسان
 وأدب الخلاّقين وهدوء أهل المحراب .. 
 كان لحمد أخ أكبر منه بسنة واحدة فكانا كتوأمين
 إلا أن والدتي كانت تقرب توأمه وتبعده 
وكان هذا يستنزفه كثيراً ويبكيه أكثر  
ولا أعرف كيف لوالد أو والدة أن يفرق بين أبنائه
 فيدني الآخر منه دنواً شديداً ويبعد الآخر ويقيصه عن ابتساماته إقصاءً مريباً..!!
كانت تؤذيه هذه المعاملة من والدتي ومن أخوتي الكبار  وتؤذيني جدا ً
 لكن كنا نضحك بأننا أكثر طيبة وأن الله اختار لنا الصبر 
24فبراير2000  جلس أمامي صببت له كوب من الشاي ارتشفه قائلا .. 
حمد: أقص قذلتي يقولون طويله 
فاطمة: لا حبيبي ليش  أساساً إنت شعرك ناعم حيل وطايح على عيونك ومستحيل يرتفع أو يرجع ورى ما عليك منهم عاجبني
قال : زين عندي عشرين دينار شسوي فيهم بطلع مع ربعي الكرنفال ..؟ 
فاطمة : استانس فيهم حبيبي  وونس ربعك
ابتسم قبلني على رأسي وخرج ..  

(لأول مرة يخرج بصحبة أصدقائه للكرنفال)
25فبراير2000 عصراً نزل من الدرج بدشداشته البنية 
يطوي كمه اليسار بيده اليمين رفع ناظريه رآني فابتسم سلَم علي وخرج ..

 (هذه الذكرى لازالت تلازمني أراه ينزل ويبتسم لي فابتسم مهما كان بي من ضيق) 
26 فبراير 2000 كنت في حديقة الشعب بدر 
يبلغ ثلاث سنوات ونصف وجراح سنتين ونصف  
أراهم يلعبون وأحس بكآبة وكأن الهملايا قبعت على صدري
 لا أستطيع التنفس وأحس بدموع حائرة في عيني 
رجعت البيت وزاد هذا الإحساس لم أستطع النوم وكان بدر يرى شيئاَ
 ولا أعرف ما هو وأقل له أنت تحلم ..!!
كانت على نافذتي يمامة أو حمامة أو بومة لا أدري 
كانت تنعق عند نافذتي كل ليلة من شهر في هذه الليلة لم أسمع لها صوت .. 
غفوت بعد الصلاة لأقفز من فراشي على أصوات الصراخ ..

فتحت الباب على كلمة أخي وهو يهزني مات مات 
أقل له من الذي مات .. يقل لي حمد الذي مات ..
 نظرت لتوأمه وقد سكنته الدهشة وصرخ لآ حمد نايم بسريره .. 
هرع توأمه للغرفة فوجد فراشه لم يلامسه جسد حمد
 ومخدته لم تقبل عينيه الباكيتين .. 
وغطاؤه لم يستر قلبه الصغير 
ارتحت الحمدلله أن حمد لم يمت 
حتى نزل توأمه يبكي ويصرخ حمد مات حمد مات 
الصالة تعج بأخوتي ووالدتي ونفر من أهلي
 والدتي توشحت بالصفار كانت تجر أنفاسها مرغمة 
أغمي عليها بحضن أخوتي 
وأخوتي يصرخون باسمه أو يستصرخونه 
ليرجع ويسامحهم على كل كلمة آذته .. 
دخلت إلى غرفتي والصراخ لا يسعفني ولا الدموع ساعدتني
 إلا أن العزاء كان مهيب 
فهو أول أموات الشباب بعائلتي وموته فجأة 

... لم أحضر دفنه ... 
فأصعب من فقد الأبناء دفنهم قبلك ... 
كان يريد أن يعبر الشارع ليشتري عشاء لأصدقائه 
ففاجأه عشريني آخر يسابق الدنيا بتحمل الذنب 
ودهسه ليطير جسد حمد ويقبله الرصيف قبلة الحياة على رأسه
 ويفارق الحياة من لحظته 
مات حمد دون أن يحس بالألم .. 
ومن ضمن أغراضه التي أرجعوها العشرون دينار وساعته ...!
كانت والدتي طوال العزاء ملتاعة تصرخ لم أقل له حبيبي عمري
 ما قلت له كلمة حبيبي عمري ما حضنته .. 
آخ يا يمه يا حمد سامحني 
يا وليدي عمري ما قلت له يا عمري 

كانت تصرخ مكلومة ليس بموته فقط 
 لكن بإقصائه طوال تلك السنوات 
وهي التي لم تحسب حساب الموت في يوم من الأيام 
 سيلقف منها حمد ولن تراه مجدداً ... !! 
خلق موت حمد من والدتي أم جديدة وخلق منا أناس جدد أفضل .. 

حياتنا فعلاً قبل وبعد وفاة حمد 
انتهى العزاء ولم ينتهي عزاء والدتي وجلدها الذات يومياً وذبلت كثيراً
 حتى كنت أبحث لها عن أسماء الشباب الأموات في عمره 
وأقل لها أنظري هذا في السابعة عشر وهذا في العشرين ..

 يا أمي حتى الشباب يموتون ....!!  
طوت جثمان حمد الأرض وطوت ذكراه السنوات واليوم الذكرى الثانية عشر .. 
أقسم بالله اليوم فقط استطعت أن أنطق اسمه واستطعت أن أكتبه .. 
فلم استطع تلك السنوات أن أفلته عن لساني أو قلبي 
يبكيني اسمه في أي مكان ويفز قلبي لكل من يحمل هذا الاسم 
أشباهك يا حمد غير موجوده يا من إذا أردت الرفض كانت لاؤك نعم .. 
اليوم فقط أُفلت ذكراك كحمامة سلام 
تعانق السحب لتمازجها وتمطر على قلبي السلوان ... 
قد تستغربون

 لكن حمد لازال يعيش في بيتي وكل رؤياه تدل على أنه بخير ... 
حمد يا عريس السماء ..  حمد يا ابن عمري 
رحمك الله عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد الحركات والسكون ... 





هناك 7 تعليقات:

  1. إن لأنفسنا علينا حق، وخسارة شاب في عمر الزهور، ليست ككل الخسائر.. وذكراه لا تمحى بسهولة.

    فلا يأخذك الحزن بعيدًا يا ام بدر، وسيرسم الله ابتسامتك من جديد.. كي نبستم معكِ.

    ردحذف
  2. الله يرحمة ويغمد روحه الجنه.. جنون السرعة تخطف اعمار الزهور

    ردحذف
  3. اشاركك في العزاء وارجو من الله العلي القدير ان يلهمك الصبر جميعا ال العلي بحق العلي

    ردحذف
  4. جدا مؤثره رحمة الله عليه
    والله يجبر عزاك

    ردحذف