السبت، 17 مارس 2012

هيــثـم و خضــــراء الــدّمــَــن






هيــثم ..

يعمل أجير لدى دلاّل لا يملك من حطام الدنيا سوى والدته،
كانت تكنز له النقود من عملها ببيع الثياب أمام أحد المجمعات في بسطة ،
كان هيثم وحيدها بعد زواج انتهى بموت والدته وربته هذه البائعة
على الذكاء وعزة النفس وترك المدرسة مبكرا
أعطته في ليلة صرة فيها مال وطلبت منه أن يبدأ عمله بنفسه 
 اشترى سيارة وباعها 

ذكاؤه لاذعا وبديهته تجذب الزبائن وأصبح لديه مكانة باهرة بين زملائه وأصبح من أهل الثقات للزبائن
 حتى ركب صهوة الدِّلالة وبات يملك ٦ سيارات،
 لعب الحظ لعبته وعرفت النقود خطوط يده ،
يوم عن يوم هدرت الأموال بيده اشترى بيت
وأخذ والدته من يدها وقال لها افتحي عينيك يا دنيتي
دخلت وبيدها بساط بسطتها وبكت من الفرحة واحتضنته
لم أتصور أن أملك بيتاً في حياتي
 فتوقفت والدته عن البيع  

عرف طريق الصفقات التي توصل لمتاهة التجار
 اقتنى الأصفرين وسكن في شارع الهوامير،
 وعاش الترف والخمر والنساء،
وكانت تلك الحزينة رغم الثروة حزينة أن لا تشاركها فتاة تبحث عن المشاكل
في الاستحواذ على اهتمام بهذا الرجل الذي ولدته
والذي تتمنى ان يتزوج لتحظى بقليل من الصوت غير صوت العاملين في المنزل
رفض الزواج كان يبحث عن شقراء طويلة 

قال لوالدته لن أتزوج سوى فتاتي ممشوقة القوام ابتسامتها حياة ووجها انطلاقة روح 
أخت الشمس ابنة شجرالزيتون حتماً سأجدها ..
استغربت والدته كثيرا من هذة الرؤيا التي تأتي لابنها عن فتاة شقراء
يلتقي بها ويتزوجها ويصبح بفضلها انسان آخر ..!!
لم يمهله الموت كثيرا ..
 فدفن والدته قبل أن يتزوج 
مع كل المال وصحبة السوء والقصر وأحدث الموديلات
توشح هذا البيت الكبير بالصمت الكبير ..
كل شيء يدعو للبكاء والصراخ
هُدم جزء كبير من هذا الرجل الواثق من نفسه
خرج الطفل الصغير داخله باحثا عن حضن الأمان
تمنى لو أنه لم يضيّع دقيقة واحدة من حياته بعيداً عنها
تمنى لو أنه تزوج بأي انسانة  حتى يرضي سيدة عمره
لم يعرف قيمة الفقد حتى انطوى على سرير أمه يفرش بساط بسطتها يقبله
 ويبكي ويصرخ ويأن لسماع صوتها
حتى يتعب وينام 

:
امتنع هيثم عن الحياة وعاف الأصدقاء والعمل واعتزل الكل واعتكف مع ذكريات أمه
حاول أصدقاؤه إخراجه من حالة الغياب وجرّه من غياهب الحزن دون جدوى
طال غيابه شهر كلمه صديقه ليخرجه من دوامة الحزن فرفض 
 فما كان يربطه بالحياة رحلت هي توأم كفاحه وهي نواة نجاحه 
أيترك ذكراها في البيت ويخرج؟ 
:
تكررت زيارات صديقه  وسط تكرار رفض هيثم الخروج
لكن في إحدى الليالي اتى صديقه ورفض الخروج إلاّ به
ألح عليه صديقه معللا أن نجمة الحفلة أشبه بملاك وقد لتفرّج عنه وتسلّيه 
 فأيام الحزن لا تنتهي والسعادة دمعه يجب ارتشافها ببطء ،

جلس كإبليس قبالة وجهه يحثه على الخروج معه
وليس
هناك أكثر من متعة النساء في إخراج الرجل من نهر أحزانه
فليسكب كل أحزانه في أحضان النساء بين ضحكاتهن
اقتنع هيثم ذهب معه
دخل الحفلة جلس في الزاوية  وحيدا 

وسط ضباب السجائر وطنين الموسيقى وهيستيريا النساء
بالرقص والإغراء والضحك بصوت عال
 كان هيثم  لا يفكر إلا بـ والدته
تذكر كم فضل هذا الجو على صحبتها ليال كثيرة
كم استمتعت النساء الغرب بضحكاته وحكاويه بدلا عنها
رحلت والدته للسماء وبقيت بنات المساء !!
كره نفسه بكى لأنه هنا قام من فوره وسط دوار برأسه
هـمّ ليخرج فتعثر بها وهمّـت تمسكه
فشهق مغشياً عليه
:
 كان هيثم هزيلا وبانت عليه علامات الإعياء الشديد
وصل الطبيب وزوده بالسوائل الوريدية وطلب منهم نغذيته
فتح عينيه وصرخ مستغيثا على سرير وحوله صديقه ورجال ونساء ،
 أخرجهم صديقه هلِعاً ، خائفا على هيثم قائلا :  ..
لقد رأيت كابوس وعلك صعقت لقلة الأكل أنت ضعيف جداً يا هيثم
 والطبيب زودك ببهذه السوائل لشدة ضعفك
سأترك سمر معك تعتني بك
:
حاول هيثم إبعاد نظريه عنها لكن الدهشة جعلته يتسمّر بوجهها
التصق هيثم برأس السرير،،  قائلا : ما أنت ببشر ؟ 
كيف أتيت من رحم حلمي متى استولدك الزمان ومتى أفلتك الحظ،
 أنا أحلم ، في هذه الليلة تتأتين لي وقد فقدتها .. ماتت قبل أن تراني أراك ؟
ابتسمت:  أنت لا تحلُم ،ماذا بك .. ومن تلك التي تتكلم عنها ؟ 
:
لا يعرف كيف هدرت دموعه وهو يحكي لها عن أمه ورحلتهما معا في الشقاء
وكبف كان يقنعها بأي شيء يريد كما أقنعها أن فتاة أحلامه بانتظاره
وهي تعلم بعض الأحلام عصية عن التّحقق ..
يشرح بسرعة عينان زائغتان يدان ترتعشان أنت فتاة أحلامي كل ليلة  كنت تزورني ،
 أقسم أنك هي وأناديكِ نور 
وفي النهار تغيبين لأبحث عنك في وجوه البشر 
 كنت معي منذ عشر سنوات لم تتركيني أنتِ هي..
:
أطرقت برأسها خجلا من هيثم ولملمت بقايا قميصها المفتوح تستر ما كشف بها من جسدها الغض
وكنها في لحظة تجلّي للحقيقة في محراب الصدق والاعتراف بالذنب
تنهدت سمر قائلة فتاتك طاهرة وأنا بائعة هوى
هي في الظلام نور وأنا في الظلام سمر وفسق وفجور
 قد يجمعنا شكل جسد لكننا متباعدتين كالسماء والأرض
هي لم يلمسها سوى النجم الطاهر فطرزها  للناظرين ..
وأنا زرعت بكل الآثام حتى احتضنت موت الأرواح للآثمين
شخصت ببصرها نحو السقف قائلة يا الله ..
بكت كثيراً 
 :
 نظر إليها مطولا .. تعجب كيف يجمع بينهما القدر هنا ؟؟
من بين كل أماكن العالم بيت من بيوت الهوى .. ومن بين كل نساء العالم
فتاة أحلامه هي بائعة هوى !!
تردد كثيراً ..
مد يده نحوها وأرجعها بسرعة
 دمعت عيناه لا تبكي  .. لا تعرفين ماذا يفعل الله بنا
لكن يا نور ...
يستحيل أن يجمعنا فسق أو سرير مُشبَع بالحرام 
رفضت الحلال حتى ألتقيك، ورفضت الإلتزام مع أي انسانة لعهد قطعته لكِ في الرؤيا
نور لم أبع جسدي بعد .. ولم أشترى قلب أحد بعد
لكنني سأشتريكِ  ..

سأشتريك من هذا الوحل . سأدفع ثمن وسوسة الشياطين ..سأرشي كل الفسق في هذا المكان
حتى يفلت خيطك ويفك قيد حريتك وتسلمي على ما بقي منكِ ..؟


استغربت كثيرا ًقائلة : كيف عرفت كل هذا ..؟

كيف عرفت أنني لم أترك فرضاً من صلاتي وأنني أموت بكل فرض من خزيي أمام الله
 وأن دعائي دائماً أن ينتشلني الله من هذا الوحل قبل موتي
أن يتب الله علي لأنني مكرهة أنا على البغاء  يا هيثم ..؟
أُكرهت عليه من زوج أم لم يرحم طفولتي ..تركه موت والدتي يعبث بي
مارس كل ألاعيب الشيطان علي وأجبرني على ترك المدرسة وممارسة البغاء
بعد أن تعلمته على يديه صغيرة لا أفقه حتى شعور المراهقة

مات ذاك الشيطان ليتركني بين خيارين

 أن اتوب وأعمل بشرف أو أن أركن الشرف وأمارس لعبة الكأس والرجال
 ولأنني لا لست من أبناء البلد ولا أحمل شهادة كان البغاء طريق تأمين الحياة
 فليكن البغاء مصدر رزقي الوحيد
لي و لأخوتي من أمي فهم أيتام في النهاية  ولا حول لهم غيري
.. ولا يعرفون سوى أنني ممرضة أعمل ليلا ..
وكم أتمنى أن أراهما في أرقى الوظائف فهما متفوقان

هذه حكايتي مع الليالي ورائحة الذنب

 أما أنت  فــ مجنون كيف تشتري من مهنتها البيع أنا لا أعرف سواها 
فتحت لي بيت ومدارس أخي وأختي وسيارة ... أنت  تمــزح أو تتشفّــى ،
أنا لا أستحق نظرة من رجل شريف ولا ابتسامة من رضيع ..
 قد دنست كل شيء لا شيء حولي طاهر سوى قلوب أخوتي ..

أرجوك لا أريد أن أعكر عليك وأزيدك بهمّي . الله لا يترك عبيده 
قد تستغرب لكنني أمنيتى أن يتقبلني الله بقبول حسن
وأن يسترني يوم العرض ويتوب علي وأتخفّــر  ولا يظهر من جسدي شيء لأحد حرّم علي..
وبكت كثيراً ..

نعم هي أمنيات وهذا الزمن لا يعطينا الأمنيات والرجال لا ترى غير جمالي وجسدي
وأنني أمنية الأثرياء . لكنني تعيسة لأنني أعصي ملك الملوك بإرضاء ملوك المال !

:
فرغ السائل الوريدي من افراغ محتواه في شرايين هيثم لكن هيثم ضخ في قلبه شيء آخر
وفي شرايينه ولمع بريق في عينيه .. وأطرق يفكر كثيراَ ويتفكر بكلامها ..
حتى همس لها مبتسماًَ

 عل الله استجاب دعوتك .. عل الله فتح لي باب خير لن أصد عنه ..
عل الله منحني فرصة لأكفر عن كل ما مضى .. وعل الله أراد مني رد جميل والدتي بكِ
 لن ألمس حتى كفك ... لن أطلب منك شيء ولكن تأكدي أنك غيرتِ حياتي
وسأقوم على تغيير حياتك ..
كم يلزمك حتى تتركي هذه المهنة لغير رجعة ..
عشرة آلاف  عن كل ليلة كافية يا نور ؟

كل ما يلزمني يا هيثم .. شخص يقرض الله قرضاً حسناً بي فقط !!

:
بعد أن تبادلا أرقام الهواتف  اتصل بها ذات يوم وقال لها ..
الليلة  سنزوركم انا والداعية الفلاني .. كي نخطبك ونعقد القران .. ما مهرك ؟
قالت : مهري أن أحج لبيت الله الكريم وأتوب عند الحجر الأسود ..فوافق من فوره !
أقفل الجهاز وهو يبتسم وهي تبكي بكاءً مراًّ ..
نهضت من فورها وفرشت سجادتها وصلّت ..
لك الشكر ياربي عدد ماكان وما يكون وعدد الحركات والسكون
سمعتني ياربي ولم تتركني ..  أنقذتني على يد هذا الجواد
ياربي ياربي جل جلالك يارب
أحبك يا ربي الحمد لك والشكر والتسبيح لوجهك الكريم ..
(ضاعت منها الكلمات)
:

عقد قرانه عليها شهرين غيّر البيت  وأسكنها في بيته و غيّر مدارس أخوتها
فأعطته هاتفها لكسره وطلبت أن يضعه في طريق طويل على الشارع ويكسره تحت إطار السيارة
استغرب كثيراً لطلبها لكنه نفذه وقالت له .. أنظر لأشلاء الهاتف ذاك هو الماضي
وانظر لنظافة هذا الطريق تلك أنا .. لن أوفيك حقك ما دمت على قيد الحياة  

:
 أبدل هيثم مع سمر كل الحرام حلال طوى كل
 حبائل الشيطان  وأخذ زوجته لبيت الله العتيق
وصلا للحرم الشريف

ورأت سمر الكعبة وأحست بدوار يحيط بها من كل مكان وكأنه يرفعها فوق رؤوس البشر
شمت رائحة الكعبة منذ أن رأتها  والتصقت بها ..وكأن الطريق تفتح لها كي تصل للكعبة ..
أمسكت بيد زوجها هيثم وهي تبكي وهو يبكي وهي تلهج اللهم تقبلني اللهم تقبلني
وصلت سمر للحجر الأسود دون أن تشعر واستغرب هيثم من سهولة وصولها ..
فانكفأت تقبله وتلمسه ..رضاك ياربي اللهم تقبلني اللهم اعفو عني وعن ذنوبي
اللهم إني أتيت روحاً قبل جسد فكما طهرت روحي طهّر جسدي لهذا
الإنسان الذي قبل بالستر علي .. اللهم احفظ زوجي بعينك التي لا تنام
اللهم تقبلني قبولا حسناَ واقبضني على طاعتك
ما مهرك قالت أحج لبيت الله عله يطهرني 
(هذه العبارة كانت ترافق هيثم  وأحس معه بفرح كبير)
:

انتهى حجهما وبنى بها هيثم  وكانت مباركة كما طلبت من الله
صلى معها صام معها جدد دينه معها قطعا عهداً يبقيا في ملكوت الله،
 طاف معها كل البلاد ولم تخلع عباءتها توشحت سمر بنور الظلمة
وبدأت سمر حياة جديدة بعد أن أسدلت على جسدها عباءة سوداء
وأسدلت على وجهها البهي ليلا زاد من نورها  .. 

:
تغيرت حياة هيثم وسمر وكفل هيثم أخوة زوجته الأيتام وترك كل ليالي الأنس خلفه  ..
دخلت سمر صومعة الدين وأخذت تنهل بشراهة الدروس حتى فاقت كل من سبقها
وأصبحت حديث الداعيات .. يا لهذه الداعية القوية الحضور  الفاتنة الطلّة
كيف تجذب الحضور بأسلوبها وعلمها وقدرتها وابتسامتها الخلاّبة

:

بعد عام من الزواج
 أصبحت داعية مشهورة ومطلوبة كثيراً فسُرّ هيثم بها كثيراً وهو يراها ترفل برضا الله ورضاه
فطلبت من زوجها  مناداتها نور،
وطلبت أن يعيّر اسمها بالبطاقة إلى نور .. رفعت قضية بتغيير اسمها من سمر إلى نور
وفرحت فرحأ كبيرا بهذا الإسم وما زاد فرحتهما هو حملها

:

في يوم عمل عادي اتصلت نور على زوجها
تخبره بوجهتها فهي لا تفوت خطوة دون أن يعلم زوجها ومالك أمرها بها

 يا دُنياي لدي محاضرة   ولن أتأخر سأرجع أحضر غداءك
لم تكن نور تسمح لأحد بأن يلمس أي من أشياء زوجها
فهي من تطعمه وتسقيه وتغسل له وتكوي ملابسه وتعطره وتنظف منزلها . 
 أقفلت الهاتف على أمل اللقاء القريب

:

رن هاتفه بعد ساعة
 رد دون قبل أن ترد عليه مبتسماً دُنيتي نعم مشتاق ..
صدم بصمت رهيب ثم بأصوات  رجال بعيدة .. مبهمة
وكان الأصوات بين
( احملها .. لا ليس كل جسدها .. اضغط على صدرها .. من فمها.. أحدهم يصرخ  ..)

طارت الظنون بعقل هيثم ..
هل من المعقول أن نور تقوم على خيانتي  .. أمن المعقول أن ترجع لسيرتها الأولى
من هم أؤلئك الرجال .. صدرها وفمها لا يمكن ..
ضرب المكتب ..

راح يذرع المكتب جيئة وذهابا . نزل من مكتبه كالمجنون نسي المصعد واستخدم السلم وكأنه يطير
قفل الخط واتصل لكنه مشغول .. فاتصل تكرارا
,, يكاد يجن
حتى رد عليه أحد الرجال ..

هيثم : من أنت .. من أنت .. أين زوجتي أين صاحبة هذا الهاتف .. أين البيت
الرجل: هل أنت زوجها .. ؟
هيثم : نعم أنا بغــلَها .. أنا المغفل من أنت ؟؟ صارخاً

الرجل : أنا رجل الإسعاف .. حاولنا قدر استطاعتنا أن ننعش قلبها بالكهرباء والتنفس الصناعي
نقلناها الآن للمستشفى لإنقاذ الجنين ..

 :

 فارقت نور الحياة وأنقذوا الجنين الذي كان عبارة
عن توأمين  ولد وبنت ..

ماتت لتتركهما لهيثم ..


 غابت نور بوفاة سمر وغاب معها هيثم ،

ضاع عقله يهذي ويصرخ وينام مخدرا ليراها في الحلم لكن مبتسمة
توقفت نور عن زيارة هيثم في الحُلم عندما تزوج بسمر ..
غبات سمر لترجع نور له بين الرؤى
:

تابت خضراء الدِّمن لتموت داعية  تردد القرآن

/ تمت 

فاطمة حسين العلي






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق