الأربعاء، 2 مارس 2011

اعتــــــــــرافـــاتـــي ,, القاضــي الصغيــــــــر




http://farm3.static.flickr.com/2116/1761143552_15c7c7729e_o.jpg


رحــلة الأمومة رحلة نحو المجهول ..
 تتربى بها الفتاة لتصبح أم دون أن تعي ذلك 
كم هي  شاقه ومتعبة ومنهكة ذهنياً وجسدياً

خصوصا إذا كان يتخللها المرض لأحد الأولاد  
ويقل فيها الناصر والمعين 
ويكتمل الضيم بالغربة الحقيقية

 لله الحمد ولا يحمد على مكروه سواه 

دخلت إلى معمعة  الأمومة دون أن يمهلني وقتي بالفرح بالرضيع بيني يداي
 من بدر إلى جراح ..
 فكانا أسيرا المرض وكنت أسيرة عشقهما والإخلاص لهما 
 والمتابعه والسهر الدائم  
كانا صغيرين جداً رائعين جداً 
لديهما جمال لم أره من قبل  وكأنهما أتيا لغرض آخر غير الطفولة !


كانا الاثنين مريضين بالقلب بفتحة بالصمام

لكن جراح كان يعاني من شئ آخر أكثر خطوره

فلقبته (القاضي الصغير)

لأنه كان سبباً في التغيير الكبير الذي حدث لي

وكيف أنه فصل في حياتي بمجيئه للدنيا

كان لجراح حالة خاصه أخرى 

وهي أنه كان يشرق بأي قطرة ماء 

فكنت أسقيه الماء عشر قطرات كل نصف ساعة 

ينام وهو جالس بزاوية حادة 45 درجة 

ويجلس بزاوية قائمة 90 درجة

حتى لا يشرق بلعابه فيدخل رئتيه ويدخل العناية الفائقة مجدداً

لمدة ثلاث سنوات لم ينطق بحرف 

كنت أتمنى أن يصل عمره إلى عام 

حتى أستطيع النوم ساعة دون أن أتفقده

لا أحد يعرف له ولا آمن  عليه أي مخلوق 

لدقة الوضع الذي يصاحبه يومياً

في يوم قرر الطبيب إجراء أشعه له 

وهذه يجب أن يأخذ فيها بنج لأن عمره فقط 4 أشهر

ولأنه مريض جداً بدأ في البكاء 

من العاشرة صباحاً وحتى السابعة من صباح اليوم الثاني

لم أترك شيئا لم أستخدمه لا أنا ولا الأطباء  

ولا طاقم التمريض كانت تلك الليلة 
عهد بيني وبين جراح أن لا أتركه من  يدي 
ولا يموت بين يدي ويتركني لغربتي  

حارت بهم وبي السبل  ولم يسعفني أي شيء 
غير لسان يلهج بالدعاء والتمنّي من الله أن يريحه 
ويسكت قليلاً أو يتعب وينام ..

مرت علي هذه الليلة كالدهر 

حتى باتت الظنون تساورني .. 
هل هي إشارة أن ألغي هذه الأشعة ..؟ 
هل سيموت فيها لذلك لا يريد أن يهدأ بين يداي !!
هل أهرب به الآن من المستشفى ؟ 
اين أذهب يا الله ؟  
بقيت واقفة به حائرة خائفة
ولا أستطيع حتى أن أضعه بوضع أفقي بحضني خوفاً أن يشرِق 
ويجب أن أقف به وأحمله واقفاً حتى يتنفس في نوبة بكائه !!

وصلت لحالة أن صمت كل شيء حولي 
 وأنا أرى وجهه فقط وهو يعتصر ألماً
 وعيناه الواسعتين السوداوين تسيلا بالدموع لساعات ولم تجفا ..!!
أكلمه لآول مرة بهدوء .. هل تريد أن تموت وتتركني؟ 
هل أنا في حالة وداع معك يا جراح ؟ 

كان يشيح بوجهه عني ويبكي بصراخ .. 

لا أعرف لكني أسلمت أمري لله وابتلعت حسرتي 
وقلت يارب إن كان وقت أمانتك الآن 
فاشهد بأنني أحببتها لحبك فأحبني ولا تأخذه مني 



سكت وبقيت أذرع الغرفة جيئة وذهابا 
وطاقم التمريض يحاولن مساعدتي قدر الإمكان 
هو لم يسكت .. لم يهدأ .. كان ثائراً على ماذا ؟
هو يبكي وأنا في أتون اتقلب فيه ولساني يلهج بالدعاء

كيف أسكته .. كيف أريحه

ومرت علي تلك الليلة وأنا مذعوره من أن يتوقف قلبه
 
لدرجة اتصلوا على طبيب القلب

وأتى ليعطيه جرعة منومه بسيطة 
إلا أنه لم يتقبلها وبقي على بكائه 

حملته بين ذراعي طوال الليل دون أن أمل 

فساعة أقف وساعة أدور وساعة أهدهده ولا أعرف 

لما رغبت أن يسكن رحمي مرة أخرى حتى يهدأ 
 عله يتعرف على مكانه لتسعة أشهر ويسكن قليلا ً 


صليت الفجر دون أن أخشع .. 
دون أن أحضر في صلاتي دون أن أدمع 
أتذكر صلاتي هذه جيداً
كانت كصلاة الخوف .. مجهولة !!

شق الفجر سَتر الليل  بعد أن شُقت روحي نصفين .. 

في الصباح الساعة السادسة والنصف 

بعد عذاب في غياهب تلك الليلة 

قررت أن آخذه بيدي إلى غرفة العمليات قبل بدء دوام الأطباء

 لففته بملائته جيداً وأخذته بصراخه إلى غرفة العمليات

والممرضة تصرخ ورائي أين أنت ذاهبة..؟

فقلت لها إلحقي بي ..!!

ذهبت الى غرفة العمليات لا أرى الطريق 
وملايين الأفكار والطيوف تطوف بي مجنحة 

ولم أرى السُّلـَّم الذي نزلت عليه  


,,, كنت أطير

دخلت إلى  غرفة العمليات عند الباب

فأوقفني الممرض وبدأت أنا بالصراخ

قلت: أريد دكتور عبدالله بسرعه .. أريد الطبيب حالا!!

فهم الممرض أنني على شفا دقائق ويغمى علي 
كنت شاحبة جداً وصوتي مرتعش 
لكنني صرخت مستغيثة .. 

خرج الدكتور على صراخي 

قال : ماذا هنالك .. ما بك .؟

قلت : خذ هذا المريض أسكته تكفى دكتور عبدالله من البارحة 

وهو على هذا الصراخ لا أريد لقلبه أن يتوقف بين يدي هنا

إذا بيموت خل يموت عندك .. 

قال دكتور عبدالله : ذكري الله ماكو إلا الخير 

أخذه مني ودكتور القلب في الداخل 

خمس دقائق لم أسمع له صوت 

خرج الى الطبيب 

وقال : لقد نام اذهبي لغرفتك وحاولي أن تنامي 

  استدرت 

ولمحت أمهات تبكي على أطفالها بصحبة أزواجهن 
مترقبات وخائفات وتعبات 
أنا هدأت لأن جراح نام قليلا .. 
هدأت لآن جراح سكت عن البكاء 
هدأت لأن تلك العينين الجمليتين آن لجفنيهما أن يلتقيا

صعدت ذات السُّـلم وكل ما فيني يأن ويصرخ 

دخلت الجناح ثم مشيت إلى غرفته 

فتحت الباب ولا أعرف هل أوصدته أم لا 
نظرت للغرفة هنا كنت أنا وجراح طوال البارحة 
نظرت للسرير الذي لم أجلس عليه خوفا عليه 

جلست على السرير 

لم أنم.. لم أريد النوم 

لأول مرة ورغم عنفواني

انخرطت في نوبة بكاءٍ طويـــل  جداً..  

لأول مرة أبكي حتى تنقطع مني الأنفاس .. 
لأول مرة أبكي بصوت يأتي بكل الطاقم لي لتهدئتي 
لأول مرة أبكي ..بكل تلك الدموع 
لأول مرة أضع رأسي على ركبتي وأحتضنهما بذراعي 
وأحس بجراح وفاطمة وبدر البعيد عني
كان بكاء طويل وشاق وقهر وظلم واستبداد 
خرج بتواتر من أعماق روحي لكل من أخفيته عنهم 
بابتسامتي وصبري وتحملي 
بكيت بكيت دون أن أشتكي ..
لم أسكت طوال ساعتين

حتى استدعوني لأستلمه من العمليات 


ذهبت لأحضره .. كان نائما على السرير 
وكتفه الأيسر عارٍ من رداء المستشفى 
فلففته في ملاءته واحتضنته  طويلا 
حتى بللت دموعي شعره الكثيف .. 



وحمدت الله أنه يتنفس وبخير ..


( هذا العذاب كان  قبل عشرة أعوام  اليوم بدر وجراح بخير اللهم لك الحمد)




كم جميل هو الكفاح ..لأجل من يستحق 

https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiJSg_QnUuqaUng0w0M6YFKWVwI5B8kHlfCmHoq7J3ggUPMRsmemvym8r1-vIpifiG0jGnpRsQSOeRrJ6IrI-BsddTwhpBdpnZoO7_piwOQPFyShVCoal0rUaT4Iqfggl0VmvOcT_RctZ8a/s400/%D8%AF%D9%85%D9%88%D8%B9.jpg
 

هناك 3 تعليقات:

  1. اليوم بدر وجراح بخير اللهم لك الحمد

    ردحذف
  2. ما أعظم قلب الأم واحساسها
    جميل ما خطت يمينك والأجمل أنكم بخير بعد امتحان عصيب
    الحمد لله على الصحة والعافية
    .. AbdullahHR

    ردحذف
  3. هو ابتلاء من الله لصبرك وتحملك وأجر .. نعم الأم أنتي .. الحياة عبر ودروس .. ونستفيد من تجاربنا القاسية لنتجازوها لاحقاً إن مرت بنا.. انتابتني حالتان وأنا أقرأ القصة حالة فرح وحالة حزن .. حالة حزن على ما كان عليه وضعك ومدى معاناتك .. وحالة فرح لتحملك وجلادتك وما آل إليه حال أبنائك الآن .. حفظك الله ومتعك بالصحة والعافية والعمر المديد .. وحفظ الله جراح وبدر ومتعهما بالصحة والعافية والصلاح وأن يرزقهما برك .. تحياتي ..
    nayef alotaibi

    ردحذف